عرفت البلاد العربية في تاريخها القديم مسرح الأطفال بأشكاله المختلفة: مسرح العرائس، ومسرح خيال الظل، والمسرح البشري، وقد جاء في كتاب الرحالة "كارستن نيبور" الذي زار الإسكندرية عام 1761، ومكث في مصر سنوات طويلة إن فن الأراجوز وخيال الظل كان منتشرا في القاهرة، وقال إنه جدير بالاهتمام، لكن ظهور أول مسرح للأطفال بشكل واضح في مصر كان عام 1964، وتوالى الاهتمام بمسرح الأطفال وأشكاله المختلفة بعد ذلك نتيجة انتشار المعاهد والكليات التي تخصصت بالمسرح؛ ونتيجة التطور الثقافي الذي شمل كتابات الأطفال بشكل عام، وقد جاءت بدايات المسرح العربي بشكل عام مرتبطة بالمسرح المدرسي وجهود الطلاب في النوادي والجمعيات.
وأما في فلسطين فقد وردت الإشارة الأولى إلى وجود المسرح البشري فيه عام 1834، إذ أن ياور نابليون السابق المارشال مارمون، الذي شارك بالحملة على مصر وقام في الفترة الأخيرة من حياته برحلات كثيرة إلى مختلف البلدان، كتب في مذكراته عن رحلة قام بها إلى مدينة بيت لحم الفلسطينية عام 1834، أبرز فيها مشاهدته عرضا مسرحيا في دير كاثوليكي، حيث قال: "عيد الميلاد في بيت لحم يُحتفل به بفخامة غير عادية، ولا تزال هناك عادة تقديم مسرحية دينية، كما كان الأمر عليه في القرون الوسطى، حيث يُشخّص الأطفال مختلف الشخصيات من التاريخ الديني، ويرتدون ملابس الأشخاص الذين يصورونهم"، ويلاحظ هنا الدور الذي لعبه الأطفال في هذه المسرحية.
وقد فعّل التعليم في فترة مبكرة الحياة المسرحية، مما انعكس على التأليف المسرحي، والرغبة في كتابة النص المسرحي المعبر، فقد أخذت البعثات الأجنبية تغزو البلاد الشامية منذ أواسط القرن السابع عشر، حيث راحت تؤسس المدارس والأديرة والكنائس خدمة لرغبات الدول القادمة منها، ومن أجل المحافظة على الطرق التجارية إلى الشرق الأقصى، وقد بدأت هذه الإرساليات في إنشاء المدارس عام 1848، التي اهتمت بالمسرح المدرسي، حيث ركزت في البداية على المسرحيات الدينية البحتة والأخلاقية، إذ كان من تقاليدها ختام السنة الدراسية بحفلات تحتوى على النشاط المسرحي، وقد اهتمت شيئاً فشيئاً بتقديم مسرحيات ألفها كبار الكتاب العالميين مثل موليير وراسين وكورني وشكسبير، وقد أتاح هذا للجمهور الاطلاع على المسرحيات العالمية، وقد علل ياغي كثرة المدارس الأجنبية باهتمام الدول بفلسطين لما لها من مصالح، فقد كثرت المدارس الأمريكية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والروسية، حيث لم تكن خاضعة لوزارة المعارف، وأغلقت معظمها أبوابها أيام الحرب فلم يبق سوى المدارس الألمانية والأمريكية.
وانتبه الوطنيون إلى خطورة الأمر، إذ إن هذه المدارس غير معنية إلا بمصالحها، فهي من الممكن أن تقفل أبوابها لحظة انتهاء هذه المصالح، كما أنها تعتمد على المعونات المهددة بالانقطاع في أية لحظة، هذا بالإضافة إلى أنها لا تلبي رغبات أهل البلاد، ولا تتفق مع حاجتهم، بل إنها تقدم ثقافة الغرب وتسلخ أهل البلاد عن ثقافتهم، فقام الشيخ محمد الصالح في عام 1908 سنة إعلان الدستور العثماني، ومن منطلق وطني بتأسيس مدرسة "روضة الفيحاء" التي اختفت أثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن بعد الاحتلال البريطاني استأنف الشيخ الصالح مع أصدقائه تأسيس مدرسة وطنية باسم "روضة المعارف الوطنية"، التي استمرت تؤدي واجبها حتى النكبة الثانية عام 1967، كما تأسست في نابلس "مدرسة النجاح الوطنية" عام 1922، ورأسها محمد عزة دروزة حتى عام 1927، وأسس خليل السكاكينى المدرسة الدستورية التابعة للجمعية التهذيبية.
وقد اتجهت هذه المدارس الوطنية إلى تشكيل الشخصية الوطنية المعتزة بتاريخها وثقافتها، وكان من الضروري أن تقدم البديل لأنشطة المدارس التبشيرية، فاهتمت بالنشاط المسرحي، واعتمدت نظام الحفلات المسرحية في نهاية العام الدراسي أو في المناسبات الوطنية والأعياد الدينية، لهذا ظهرت للوجود مسرحيات عربية تعتمد التراث العربي وترتكز عليه بشكل قوي، منها: جابر عثرات الكرام، وجريح بيروت، وعنترة، وصلاح الدين الأيوبي، وطارق بن زياد، وفتح الأندلس، وغيرها، وقد توجه بعض مؤسسي هذه المدارس والقائمين عليها إلى الكتابة المسرحية، حيث قام محمد عزة دروزة بمسرحة روايته "وفود النعمان إلى كسرى أنوشروان"، وكتب مسرحية "عبد الرحمن الداخل" و"ملك العرب في الأندلس"، و قام الطلاب بتمثيل هذه المسرحيات على مسرح البلدية، كما تم التوجه نحو اعتماد مسرحية "مصرع كليب" على جميع المدارس الثانوية، كجزء من المنهاج المقرر.
** لكن الحقيقة المرة تطرح نفسها عند التساؤل عن مدى التواصل في العمل المسرحي بين الأطفال في فلسطين والمسرح سواء على صعيد مسرح الكبار أو المسرح التعليمي أو المسرح المدرسي حتى لو أحصينا عشرات الأعمال، فإن معظم هذه الأعمال لا يتجاوز حضور عشرات الأطفال، والغياب الماثل للمسرح مشكلة حقيقية تعني غياب أداة ثقافية حضارية حميمة التواصل متعددة الفوائد وا